ثلاثية غرناطة، رضوى عاشور
"تتعدد النصوص والأصل غرناطة"
بهذا الإقتباس تختصر الروائية المصرية رضوى عاشور ماهيّة وجمالية روايتها "ثلاثية غرناطة"، هذه الرواية التي نرى فيها أنفسنا وأوجاعنا، والتي تنطلق من بداية النهاية لحياة العرب المسلمين في غرناطة، في العصر الذي شهد سقوط غرناطة، آخر معاقل العرب والمسلمين في الأندلس.
وبتمرُّدٍ على المألوف، تأخذنا رضوى عاشور بعيداً عن حياة القصور، وتصور لنا الحياة الإجتماعية والاقتصادية والسياسة والدينية وما وقع على عامة الناس في غرناطة، مِن تطهير عرقيٍّ مُورس عليهم في أبشع صُوَره، ومنعهم من التحدث أو الكتابة بلغتهم، وحالهم في محاولة الحفاظ على إرثهم بتهريبهم للكتب والمؤلفات إلى الكهوف والسراديب!
رواية ثلاثية غرناطة بمثابة إستخراجٍ لتلك الكتب المهربة من سراديبها، ولا يملك من يقرأها إلا أن تصاحبه غصات الحنين إلى مجدٍ مضى، وذاكرة تصطاد كل من يبحث عن أوجاع الأمة العربية.
أبي الذي أكره، عماد رشاد عثمان
" ما هو ذلك الرابط بين الإبداع الفائق وبين الألم والاضطراب والإساءات والتجارب المفعمة بالوجيعة، لا أدري هل تفتح الإساءات بوابات خلفية في أذهان أولئك الذين تعرَّضوا لها؟ هل يؤدي ذلك الضغط المستمر الذي تمثله الإساءات في الطفولة إلى إخراج ملكات ذهنية مغايرة للمألوف تمامًا، كما يؤدي الضغط المستمرعلى الكربون إلى تحويله من فحم إلى ألماس؟"
يأخذنا الكتاب في رحلة تجاه التعافي وأساليبه، بتجزيء الواقع واعادة تركيب عناصره من جديد، مع الأخذ بعين الإعتبار أنك لن تجد سبيل الخلاص من الصدمات النفسية بعد قراءة الكتاب، لان الكتاب لا يطرح الحل بل يوضح المشكلة، وهذه هي الخطوة الأولى للتعافي بالاساس.
التعافي موضوع أعمق وأوسع من أن يختزل في 300 صفحة وهذا شيء طبيعي لأن لكل متعافٍ تجربة مختلفة عن الآخر وإن تشابهت بعض الحالات في بعض التفاصيل إلا أن تطابقها مستحيل، وهذه النقطة بالتحديد تجعل حصر تجارب المتعافين شيء غير ممكن، لكن هناك بعض من الزعزات النفسية المشتركة بين المتعرضين لصدمات النشأة وهو ما تم طرحه في الكتاب؛ لهذا أُعد هذا الكتاب بمثابة "مُطهِّر لدهاليز الماضي" ويستحيل أن تنتهي من قراءة الكتاب دون أن تعود بالذاكرة لموقف تعرضتَ له ، فتفهم سبب تصرفك بذاك الشكل في ذلك الوقت.
ختامًا عليك أن تتذكر دائِمًا أن رحلة التعافي أصعب من فترة المعاناة نفسها، لهذا كُن رفيقًا مع نفسك ولا تُحاول فرض التعافي عليها لأن التعافي ليس قرار تتخذه فقط وانما خطوة تُقدم عليها قد تواجه عدد من المعوقات لكن تذكر ان رحلة التعافي تتميز بحتمية الوصول.
" سلامًا لكل من تعافى
سلامًا لِكُل روح جريحة تشافت
و لِكُل منتَهِكة…تجاوَزَت
و لكُل مسلوب … استَرَد
و لِكُل متكَتِم… قَد باح"
كبرياء وهوى، جين اوستن
"هناك عدد قليل من الناس الذين أحبهم حقا، وعدد أقل من لدي عنهم فكرة حسنه. كلما رأيت أكثر من العالم زاد عدم رضاي عنه، وكل يوم يمر يؤكد قناعتي من التناقض الموجود في جميع الشخصيات البشرية، والاعتماد القليل الذي يمكن وضعه على ظهور الجدارة أو التعقل"
على ظهور العربات و الأحصنة تُجُوّلُنا أوستن بين لندن و ضواحيها، نَتَعَرَّف على أسماء الشوارع و المباني وأفضل متاجر القبعات الأنيقة، وإلى جانب ذلك تُطْلِعُنَا عَلَى حال النساء اللواتي خَضَعْنَ لِعَمَلية الإتجار بالزواج اللامباشرة و مُعارِضاتِهِنَّ اللامباشرة، القليلة حينها.
تبدأ أوستن في حياكة الرواية بخيطان الحب بين جميلة لونجبورن طيبة القلب "جين بينيت" و"مستر بينجلي" النبيل الذي قطن نيذرفيلد، لتأخذ الرواية منحنى آخر مع شخصيتي "اليزابيث" اخت جين المحبة للحياة والسفر والموسيقى والتي تمتلك عقلا فذًا ولسانا حادًا، و "مستر دارسي" صديق بينجلي المقرب، الارستقراطي والغير محبوب من أهل الريف، قليل الكلام كثير البجاحة واللؤم مع من لا يُحب، كِلاهُما كان لَهُ كِبرياء الطاووس يُفَجِّرُه في وجه الآخر وذلك لوجود بعض الغيوم السوداء التي أغشت عليهما رؤية الحُب الذي كَبُرَ فيما بينهم، وما أن تَفشَّت هذه الغيوم حتى بات كُل منهما عُصفورًا خَفِيفًا يُحلِّقُ حَولَ الآخر.
قد تبدو حِكاية مُستهلكة ذات نهاية مُتَوَقَّعة بالطبع قياسًا على زماننا، لكن لو قسنا المسألة على عام 1813 فلا أعتقد أن حَلاوَةِ النهايات كانت سمة تتميز بها جُل العلاقات، فلم يكن القلب هو المُحرك لهذه العلاقات بقدر المال وهذا ما جَعَلَ لحكاية اليزابيث ودارسي وقعًا خاصًا على القُراء حينها بِرأيي.
الرواية مكتوبة باسلوب عذب وكانت ذات وتيرة سريعة لا تسمح للقارئ بالضجر أو الفتور، أتعامل معها كونها إرث أدبي عالمي اكثر من عمل أضَعُه تحت مجهر النقد والتعقيب، لكن إن كان لا بد مما لا بد منه فإني أقيّم الرواية: ٤/٥